محمّد الطّاهر العقبي :المعهد العالي لأصول الدّين ،جامعة الزّيتونة. تونس2010
لقد عُدّ المصطلح الصّناعيّ في صيغته التّقنيّة في مُسمّيات الفنّ الإسلاميّ المعماريّة و معايناتها التّشكيليّة، ضربا من الآداء الوظيفيّ النظريّ والتّطبيقيّ ارتبط بجملة من ضوابط المعرفة الإجرائيّة، و أصول الاستدلال الفكريّة ، تحيل على قوانين و مناهج فنيّة تنبني على مداخلات في الفنّ و الصّناعة، و تستند إلى حقيقة موضوعيّة تفيد مشروعيّة تماسّها -في شكلها اللّغوي الاصطلاحيّ – مع الظاهرة المادّيّة، أو المنجز البصريّ المعماريّ .فهي صادرة عنه و ملتزمة به في حدود منطلقاتها الذّهنيّة الافتراضيّة و التّقديريّة شأن الحساب والهندسة وما استتبعهما تطبيقيّا من تشاكُلات الزّخرفة في المُتراكِبات(les superposés) ،والمُتعالِقات(les interférés)،و المُستغرِقات أوالهلّينيّات(les Hellénistes) ،و المُستعلِيات(les prédominées ) ،وغيرها من ذوات المنشإ الخطّيّ (de nature graphique) ،كالمقتضب (succinct) ،والمسترسل(trainant)،والمتقطّع (discontinu)،والمتداخل،والمظفور(torsadé) ،والمكرور (fréquent)، والمتضامّ (connivent) ،والمتدرّج (arpète)، و المتناظر(commensurable) و غيره. و هي توصيفات هندسيّة يستوجب ترتيبها تعريفا بـ(الأخصّ) بما يفيد التّنبيه على دقّة الشّكل بالتّوصيف المصطلحيّ الدّاليّ الّذي ينحو إلى صفة (الفردانيّة) الّتي تمنع وقوع الشّركة فيه . و رغم قبول الوحدة الهندسية أو الكلّ الهندسيّ التّعريفَ بـ(الأخصّ)، إلاّ أنه خاضع إلى التّعريف بـ(المُبايِن)، فالمثلث على الدّائرة أو الدّائرة على المثلث ينتج عنه شكل مُبايِن للشّكلين . و قد يُصطلح على تسميته بشيء آخر ليس مثلّثا و ليس دائرة، إنّه وحدة هندسيّة فحسب . بينما تنتفي هذه المُباينة في الشّكل المفرد، فالمربّع سُمّي كذلك لأنّه يُقرّ بمبدإ التّساوي الضلعيّ في أجزائه الأربعة. و كلا الجزء و الكلّ رسم تامّ، و وَسْمٌ مخصوص، يمتلكان من القدرة التّفاعليّة ما يبرّر حقيقتهما الذّهنيّة و الحسّيّة في العمل الصّناعيّ والحرفيّ والفنيّ تبريرا مادّيا مَحْضا يتبدّى (قَبْلِيّا) في مُتصوّرات التّرسيمة التّفسيريّة (La schématisation) و المَنْولة (La modélisation ) ، و النّمذجة و الطّراز الّذي قد يتّسع ليشمل حاصل البناء الذّهنيّ وخصائصه في رسم عمليّات التّفكير ووصف نظام التّعبير و التّصوير . أو في حال النُّصْبيّات(Les Monumentaux) و خضوعها فيزيائيّا إلى نظام الكتلة و الجسم و البعد و العمق .و هي في الوقت ذاته منطلقات تتحدّر عنها و منها مصطلحات رياديّة تطرح مفاهيميّا مساءلة سيميولوجيّة تتّصل عن كثب بقضيّة علم الجمال الإسلاميّ وتهافته في الدّرس الجماليّ العربيّ التّراثيّ من خارج لغة اصطلاحه الأصليّة و الأصيلة على قاعدة إيقانيّة انتقائيّة تدفع إلى التّوسّل بالمتفرّق و المنثور في كتب الأدب و الفلسفة و المنطق و غيرها دون العودة إلى المنجز البصريّ، كما صنع عفيف البهنسي في دراسته عن علم الجمال العربي، في كتابه المعنون باسم (دراسات نظريّة في الفنّ العربيّ)، و عبد الفتّاح روّاس قلعه جي، في كتابه (مدخل إلى علم الجمال الإسلامي)، و كتاب محمد علي بني حمدة (في التّذوّق الجماليّ لمناظرة أبي سعيد السّيرافيّ، و أبي بشر متّى بن يونس القنائيّ) ، و هو ما لا نودّ الخوض فيه على الأقلّ في هذا البحث المختصر لما فيه من مزالق و محاذير ، فضلا عن التزامنا بنماذج من المصطلح الفنّيّ في العمارة الإسلاميّة. و لئن عبّرت المصطلحات الفنّيّة في مجال العمارة الإسلاميّة قديما عن العلاقة الوثيقة بين اللّغة و بين الصّنعة أو الحرفة أو الفنّ تعبيرا موسوما بالتّقريريّة والمباشرتيّة، و دقّة الأداء من داخل اللّغة ذاتها، وهي علاقة متعيّنة بالصّلة اللّصيقة بين ما تنجزه اللّغة و بين ما تنجزه اليد ، فقد افتقدنا هذا التّواصل المصطلحيّ في لغة العمارة العربيّة المعاصرة، و في عناصر تكوينها،فلم تحظ العمارة الإسلاميّة إلى يومنا هذا بمعجم واحد كامل قادر على احتواء مصطلحاتها الفنيّة التي تعالج عناصرها الدّقيقة و تفاصيلها المتعدّدة، و عبثا حاول كثير من دارسي الفنّ الإسلاميّ وضع مصطلحات بديلة عمّا كان متداولا،تؤدّي في آن واحد الأصول اللغويّة والمعاني المراد التّعبير عنها،غير أنّ تلك المحاولات لم توفّق في أغلب الأحيان ، واعتراها الشّطط و الانحراف في أحيان أخرى،و ظلّت مجرّد جهود فرديّة تعوزها الضّابطة العلميّة واللّغويّة والتّاريخيّة والفنيّة والتّقنيّة،أو ما يمكن أن نعبّر عنه بتعدّد الاختصاصات العلميّة و المناهج الفنيّة،في غياب معجميّة أصيلة يتشارك في صياغتها اللّغويّون و المهندسون و الفنّانون و المؤرّخون . ناهيك عمّا يتنازع الخارطة المصطلحيّة في مجال الفنّ الإسلاميّ عامّة من تقاطعات تستند في انتظامها المعرفيّ إلى قضايا حضاريّة معقّدة تتّصل من بعيد أو من قريب بمسائل الانتماء الفكريّ في مناحيه المختلفة (منحى عربي، منحى عروبي، منحى غربيّ، منحى إسلاميّ،منحى استشراقي، منحى قديم،منحى حديث...)، ممّا أدّى واقعا إلى ارتكاس مقولة مصطلح الفنّ الإسلاميّ و تهاودها بين مساع متعدّدة، منها المسعى التّوفيقيّ أو التّوليفيّ بين القديم و الحديث، و المسعى التّقريبيّ بين الشّرقيّ و الغربيّ، و المسعى المُغالطيّ الّّذي يروم دمج المحلّيّ بالعالميّ من طريق الاعتقاد بنبوءة le glocal ، و قد غاب عن هذه المساعي في متونها الضّديدة المسعى التّأصيليّ الّّذي ينبجس من مسلكين متلازمين :مسلك نظريّ مثّلته مدوّنات الفنّانين والمهندسين و الصّنّاع و أرباب الحرف . ومسلك تطبيقيّ أنجزته الفنون الإسلاميّة الماثلة حقيقة مادّيّة في العمائر و المخطوطات و النقوش و النّحوت والمزوّقات و المنمنمات و الجداريّات وغيرها. إنّ ما نريد البحث عنه لتطويره وتحويره و استيراده من خارج الحيّز اللّغويّ العربيّ الإسلاميّ قد أنجزته اللّغة العربيّة ذاتها إن توليدا واشتقاقا أو استعارة ، وفصّلته بما يتّفق و حاجاتها الاصطلاحيّة و اللّغويّة بما يتواءم و المنحى العلميّ أو الفنّيّ أو الصّناعيّ أو الحرفيّ في نسق مباشر يعبّر عن الأشياء في دلالتها الواقعيّة والرّمزيّة و التّجريديّة تعبيرا أقرب إلى استنساخ المصطلح من الصّورة في نظام لغويّ أقرب إلى الحسّ منه إلى المعنى، وهو ما من شأنه أن يوجّه اهتماماتنا الحاليّة بمصطلحات الفنّ الإسلامي - على اعتواراتها ونواقصها المشدودة النِّسب و التّكوين إلى المتن الاصطلاحيّ الأجنبي سواء في تاريخها أو تعليلها أو تفسيرها- إلى ضرورة توزيعها على أنسِقة ترتيبيّة و تراتبيّة متخصّصة تُقيم التّمييز بين القسم المادّيّ المفتوح، و بين القسم النّظريّ الّذي لا يتوجّب عليه أن يكون قسما مُقترحا و لا مُطّرحا ، بل حاصل متابعة و تأمّل حتّى يعبّر عن صورته المادّيّة في مصطلحاته و اصطلاحاته الذّاتيّة من داخل فنّ العمارة أو غيره من الفنون الإسلاميّة المتعدّدة من طريق مُتَلاَزِمَةٍ تسّاند فيها نَظْمِيَّةُ المعنى بنظميّةِ الأثر تشكيليّا كان أم حرفيّا أم صناعيّا . فهل يكون غائب اللّغة فيما اتّصل بمجال العمارة بديلا عن شاهدها، ليحلّ المصطلح القديم محلّ المصطلح الحديث المغرق في الاضطراب و الخلل و التّشويش و القطيعة ؟ و هل يمكن أن نتحلّل من المصطلح الأجنبيّ الغائم أمام المصطلح العربيّ القديم الذي لا يزال يدلّ على الأشياء دلالة واضحة ؟ . هل العودة إلى المصطلح الأصل في التّعبير عن مفردات العمارة العربيّة الإسلاميّة في غياب بدائل حديثة واضحة يعدّ انكفاء حضاريّا بعد أن شاع بين النّاس ألاّ خير في علوم أفسدها الدّهر ؟ و أنّ السّبيل إلى الحداثة قد يكون في القَطْع مع علوم أصبحت اليوم نسيا منسيّا. و لكن أليس الأجدى أن يكون الرّهان في بعث الحياة في ماضي العلم من منطلق حاضره، طالما أنّ بعضا من موت حاضرنا كامن في عجزنا عن استحضار ماضينا ؟ . إنّ الإجابة عن هذه الأسئلة رهينة بمدى ما يحتمله المصطلح الفنيّ الغائب من قدرة على التّبليغ و إيصال المعنى، و هو ما سنبحثه في مجموعة من نماذج المصطلحات الفنيّة في مجال العمارة الإسلاميّة سواء ما تعلّق منها بالفنون التّحسينيّة مثل الزّخارف الهندسيّة و النباتيّة، أو الصّنائع الحاجيّة و النّفعيّة ذات الهيئات النُّصْبيّة التي تنحو منحى (اعتماديّا) في إقامة السّقوف و الجدران و غيرها مثل الأعمدة و الأقواس والحِنْيات ونحوها .و بالعودة إلى مصطلحات الزّخارف المعماريّة في التّراث الفنيّ العربيّ الإسلاميّ، تطالعنا جملة من المفردات التّشكيليّة التي تنبني على مواضعات دقيقة الآداء في نمط علائقيّ يحيل على ضروب من العلاقات المتقاطعة بين الطّبيعيّ و الصّناعيّ، في نسق نموذجيّ يتأسّس على المشابهة بين النّصّ و صورته، و على المقايسة بين المتصوَّر في الذّهن (concept)، و بين المنجز الماثل بصريّا (œuvre) ، و يدللّ على هذا الرأي الّذي نذهب إليه جملة من المصطلحات الفنيّة الكلاسيكيّة سنوردها في لغتها القديمة،مستأنسين بشواهد نصّيّة و مقارنات لسانيّة بالقدر الذي يسمح به السّياق نفسه و هي :1- التّوريق :يُطلق مصطلح التّوريق على العناصر الزّخرّفية النّباتية الّتي تتميّز بأشكالها ذات الأوراق، و المستلهمة انطباعيّا من شكل ورق الشّجر و النّبات . و هذا الضّرب من الزّخرفة يتألّف من فروع متشابكة يعسر على العين أحيانا تتبّع انحناءاتها، و تداخل سيقانها. و هو يعبّر عن غُلوّ في التّعقيد، و إسراف في الحشد يستدعي التّصعيد الذّهنيّ،و تعدّد القراءات و التّفسير في ميل واضح إلى التّأويل من طريق التّجريد . و لئن اقترن هذا اللّون من الزّخرفة بالعناصر الحيوانيّة، إلاّ أنّه يظلّ معقودا للوحدات النّباتيّة فحسب، لأنّ العناصر الحيوانيّة غالبا ما تكون موضوع منمنمات تمثّل تصوّرا رمزيّا،أو انطباعيّا أحيانا لما وراء المُدرَك بصريّا، لاسيّما ما تعلّق منه بموضوع الفردوس في الحياة الأخرى .و قد تجسّدت هذه المنمنمات في التّصوير الإسلاميّ الفارسيّ على وجه الدّقّة . أما التّشجير و إن قارب التّوريق في بعض دقائقه، إلاّ أنّه يختلف عنه في بعض عناصره المُعبَّر عنها بالمُعرَّقات، و الغُصيْنيّات . ولئن حافظ التّوريق المُزهّر على عناصر الزّهرة في الرّسم من كأس و تُويج و أَسْدِيّة و مِدَقّة، فقد تخلّص التّشجير من هذه التّفاصيل الرقيقة و اكتفى بالتّعبير عن تفريعات العروق و الغصون و تذبّب أطرافها في تشكيلات منحنية تعبّر عن النموّ و الاسترسال، و لربّما حملت بعضا من دلائل الشّجر التي تُلتَمس في وُريقات صغيرة على مُتون غصونها و فروعها . و قد حافظت اللّغة الإسبانية على المصطلح العربيّ و اعتمدت لفظة(atorikk) أي التّوريق،بينما بدت الكلمة الفرنسية (arabesque)، أو (العربسة)، كما يشير إليها البعض قاصرة عن مجاراة المصطلح العربيّ، و بان الخلط بين (arabe)، و هو تنسيب هذا الفنّ إلى العرب، و بين (arbre)، وهو ما يعني اقتباس هذا الفنّ عناصرَه من الشّجر أو النّبات . و تَعارض أصل هذا المصطلح العربيّ مع التّسمية الّتي دفع بها بِشْر فارس (الرّقش) في كتابه (اصطلاحات عربيّة لفنّ التّصوير)، و الّتي تعني الخطّ الحسن كما تُلمع إلى ذلك جلّ المعاجم العربيّة القديمة . و يذكر صاحب نفح الطّيب من غصن الأندلس الرّطيب رجلا يدعى محمّد بن أحمد، (كان عالما بصناعة التّوريق) ، و يستعمل ابن جبير هذا المصطلح مقترنا بلفظة (التّشجير) :" وبإزائها رخامتان متّصلتان بجدار الحجر المقابل للميزاب أحدث الصّانع فيهما من التّوريق الرّقيق والتّشجير والتّقضيب ما لا يحدثه الصّنع باليدين في الكاغد قطعاً بالجلمين . 2- المُقرنص :و يُعَدّ المقرنص من أبرز أنواع الزّخارف الإسلاميّة، و يتكوّن من حنايا صغيرة مقوّسة تشبه المحاريب يتدلىّ بعضها فوق بعض في طبقات و صفوف بشكل فنيّ تنحصر بينها أشكال منشوريّة مقعّرة (concaves ) . و تعرف المُقرنَصات عند مؤرخي الفنّ في أوروبا باسم (stalactites)، أي الرّواسب الكلسيّة الّتي تتدلّى من أسفل بعض المغارات و الكهوف. و قد شاعت هذه الكلمة بين الأوروبّيّين المشتغلين في مجال الفنون الإسلامية للدّلالة على جميع صور هذا العنصر الزّخرفيّ .غير أنّ هذه التّسمية لا تنطبق إلاّ على نوع واحد من المُقرنصات، و هو المقرنص ذو الدّلاّيات . و يعتمد الدّمشقيّ مصطلح مقرنص في كتابه (البداية و النّهاية) بقوله :" وسقفه مُقَرنص بالذّهب، والسّلاسل المعلقة فيها، جميعها من ذهب وفضّة... " .كما يُلمع إلى ذلك المقريزيّ في (المواعظ و الاعتبار) :" وفيه مقرنص قطعة واحدة يكاد يذهل النّاظر إليه، بشبابيك ذهب خالص، وطرازات ذهب مَصُوغ" . و قد حافظت اللّغة القشتاليّة على الأصل العربيّ لهذا المصطلح و أشارت إليه بـ (mokarbes) أو (mokarnes).3- السّابَاط:و هو الممرّ المسقوف بين جدارين، و عادة ما يكون السّقف مقوّسا أو مقبّبا .و قد اعتمد ابن حياّن على هذا المصطلح في قوله :" و هو الّذي وصل الأَزَج المعروف بالسّابَاط من قصره إلى المسجد الجامع لصقه فكان يأتيه من هناك "(يقصد أمير قرطبة عبد الله بن محمّد) ، كما اعتمده الذّهبيّ في (سِيَر أعلام النّبلاء) :" قال أحمد بن محمّد بن عبد ربّه: كان الأمير عبد الله من أفاضل أمراء بني أميّة، بَنَى السّابَاط، وواظب الخروج عليه إلى الجامع، والتزم الصلاة إلى جانب المنبر طول مدّته" ، و أحال عليه الباخرزيّ في (دمية القصر و عصرة أهل العصر) بقوله:"لعنَ الله ليلةَ السّابَاطِ ... كَسرتْ همّتي وأفنتْ نشاطي" كما ذكره الإتليديّ في كتابه (إعلام النّاس بما وقع للبرامكة) :" اعلم إذًا يا أمير المؤمنين، أنيّ توجّهت سنة إلى البصرة فاشتد عليّ الحرّ فطلبت مقيلاً أقيل فيه فلم أجد، فبينما أنا أتلفّت يميناً وشمالاً، إذ أنا بساباط مكنوس مرشوش، وفيه دكّة من خشب، وعليها شباك مفتوح تفوح منه رائحة المسك، فدخلت السّاباط وجلست على الدّكّة وأردت الاضطجاع..." .و تجدر الإشارة إلى أنّ مصطلح السّاباط، لا يزال مستعملا في المغرب العربيّ و تحديدا تونس، و يُلفظ (صبّاط) بتشديد الباء، بينما لم يعد له ذكر في المشرق العربيّ .4- التّقضيب: التّقضيب أو القَضْب و الاقتباض، هو نوع من الزّخارف النباتيّة الّتي لا تختلف عن التّشجير عدا أنّ التّقضيب زخرفة تعتمد الغُصيْنيّات غير المسترسلة أو المتقطّعة .و قد سبق و سقنا نصّا لابن جبير يتحدّث فيه عن التّوريق و التّشجير و التّقضيب .5- الإفريز:الإفريز عنصر من عناصر الزّخرفة الّتي لم تختص به العمارة الإسلامية وحدها، فقد عُرف في عمارات حضارات سابقة عن الإسلام، و هو عبارة عن شريط مقوّس،أو مرّبع،أو دائريّ،أو مستقيم يؤطر الجدران و الأقواس و الأبواب و النّوافذ . و يأتي مسطّحا أو نافرا أو غائرا ،و يصنع بالتّجميع و الحفر و النّحت على الرّخام، أو الجصّ، أو الخشب،أوالنّحاس، و يكون معقودا أو منفتحا، و مليئا و مفرّغا .و اعتمد المقريزيّ هذا المصطلح في (المواعظ و الاعتبار) :" ويقف الأمراء في أماكنهم المقررة، فصاحب الباب، واسفهسلار العساكر من جانبي الباب يميناً ويساراً، ويليهم من خارجه لاصقاً بعتبته زمام الآمرية والحافظية كذلك، ثم يرتّبهم على مقاديرهم، فكلّ واحد لا يتعدّى مكانه هكذا إلى آخر الرّواق: وهو الإفريز العالي عن أرض القاعة، ويعلوه السّاباط على عقود القناطي الّتي على العهد هناك" . وقد حافظت اللّغة القشتاليّة على مصطلح الإفريز في لفظة : (alfiz)، و يقابله (frise) في اللّغة الفرنسيّة. و (arraba)، و هي الرّبع أو الطُّرّة، وتعني التّجعّدات الملفوفة على مساند العقود . ومصطلح (albanega)، أي بَنيقة العقد، و معناها الفراغ المثلّث الشّكل المتخلّف من القوس المحاط بالإفريز المربّع . و مصطلح (alizar ) أي الإزار، و هو طراز كتابيّ أو زخرفيّ يحيط إمّا بالسّقف أو بالجزء الأسفل من الجدران، و يعني أيضا كسوة من الرّخام أو الزّلّيج تغطّي الأجزاء الدّنيا من الجدران، أو ما يدور بأعلاها من طُرز خشبيّة تحت السّقف الخشبيّ مباشرة . ويعادل هذا المصطلح :اللّفظة الفرنسيّة (lambris)، أو الحزام الأفقيّ (le bandeau horizontal)، أو الكسوة و الإكساء (revêtement).كما حافظت اللّغة القشتاليّة فيما حافظت عليه من مصطلحات فنّ العمارة الحربيّة : لفظة (adarve)، للدّلالة على الدّرب، و هو ممشى السّور الّذي يعادل في اللّغة الفرنسيّة (chemin de ronde)، ولفظة (barbacana) أو(barbacane) بالفرنسيّة، أي البَرْبخانة، وهي كلمة فارسيّة تعني الحاجبة الأماميّة الّتي تسبق الحاجز الأساسيّ للسّور، أو المعبّر عنها بالسّتارة (le paravent) . و هو نظام كان شائعا في العمارة البيزنطيّة، و قد استعمل العرب هذا المعنى في نظامين إثنين : الأوّل يعني الحزام البرّانيّ حسب تعبير ابن أبي زرع في روض القرطاس، و الثّاني الفصيل . و من المصطلحات أيضا نجد ( atalya) ،أي برج الطّليعة .6- الأُسْطُوان : الأُسْطُوان في اللّغة العربية معناه العمود (العامود)، و هو اصطلاح استعمله ابن بطوطة،و ابن جبير في هذا المعنى . وفي اللّغة الإسبانيّة الأُسْطُوان هو: (zaguán)،و يعني رواق أو بلاطة أو ردهة . وقد أوضح سوفاجيه ( Sauvaget) معنى هذا اللّفظ بأنّه الفراغ ما بين العمودين . و يبدو أن منطلق (سوفاجيه) في هذا التفسير، هو ما أورده المؤلّفون العرب المسلمون أنفسهم، ففي ثنايا كتب بعض مدوناتهم،يطالعنا هذا المصطلح على أنّه باحة مثل ما جاء في (ترتيب المدارك و تقريب المسالك) للقاضي عياض:" حكى القاضي يونس بن معتب: أن القاضي ابن السّليم، خرج يوماً فأصابه مطرٌ اضطرّه إلى أن دخل بدابّته، في أسطوان دار رجل يعرف بالنّسائي من أهل المشرق، وساكناً بقرطبة" . و يورد الطبريّ في تاريخه، مصطلح الأُسطوان بمعنى صومعة التّرهب و العبادة في قوله : " ولو شرب الشّفاء مع النَّشوق ولا مترهّب في أُسْطُوان" أمّا ابن عساكر (ت571هـ) في (تاريخ دمشق)، فيورد المعنييْن (العمود و الرّدهة أو الباحة) " وكان في ظفار أسطوان من البلد الحرام مكتوب في أعلاها بكتاب من الكتاب الأوّل" . و يقول في موضع آخر: " حدّثني محمّد بن سليم عن عمرو بن سعيد :أنّه رأى عمرو بن الحارث مُلقًى في أُسطوان من أساطين المسجد" .و يذهب الصّفديّ في كتابه (تصحيح التّصحيف) إلى أنّ الأسطوان ليس الباحة ،و إنّما هو السّارية :" ويقولون: أُسْطُوان للبيت الذي يشرَعُ إلى الفناء، والصّحيح أنّ الإسطوانة السّاريةُ، وكذلك سارية المسجد، وفي الحديث: أنّ أبا لُبابَة شدّ نفسَهُ إلى أسطوانة المسجد، وهي الآسية أيضاً" .
7- المتّكأ: و هي ألواح مخرّمة(panneaux perforés) من الجصّ أو الرّخام منصوبة في الجدران حتىّ ينفذ الضّوء من خرومها ،و قد كان في جامع قرطبة أربعة و خمسون لوحا منها .8- الجائزة:و هي كتلة من الخشب مرّبعة القطاع (parallélépipède ), تمتدّ أفقيّا في جانبي السّقف لتحمل الألواح الخشبيّة فيما بينها . و تستند الجائزة في العادة إلى ركائن و كعوب خشبيّة، و يختلف حدّ الجائزة وطولها في مسجد عنهما في مسجد آخر، فبينما يصل طولها في مسجد قرطبة إلى ثلاثة و ثلاثين شبرا، فإنّها في جامع (أَقْليش) مائة و أحد عشر .9- الحِنْيَة:عقد أو قوس (voûte)، و يغلب استخدام هذا الاصطلاح في الدلالة على قسيّ جسور المياه أو القناطر . و قد استخدمها ابن جبير للتّعبير عن بوائك كان يجلس تحتها الخيّاطون، و القسيّ الدائرة حسب تعبير الإدريسيّ هي العقود الّتي تجاوزت نصف الدّائرة .10- الرّأس:الرأس في مصطلح العمارة العربيّ، هو أعلى الوحدة المعماريّة و نهايتها، مثل رأس المحراب أي قَبْوَته، مثلما يدلّ على ذلك قول الإدريسيّ :"و على رأس المحراب خَصّة (نافورة) رخام قطعة واحدة" . و رأس العمود أي تاجه ، و أعلى الرّأس ما يعلو التّاج ، و رأس القبّة أي قمّتها من الخارج، لقول إبراهيم بن صاحب الصّلاة الوَلْبَني :"و رؤوس القباب مؤلَّلة و بطونها مهلَّلة" . و نخلص في خاتمة هذه العجالة إلى أنّ تطوّر المصطلح الفنّيّ في العمارة الإسلاميّة، و محاولة تغييره أو استعارته من خارج حيز اللّغة العربيّة، لم يعن بالضّرورة أنّه امتلك شرعيّته التي أتاحها له البعد الزّمنيّ أو الحضاريّ أو التّقنيّ، لاسيّما إذا سلّمنا بأنّ طُرز العمارة الإسلاميّة تحديدا،لم تشهد تطوّرا يذكر على مستوى التّصميم فقد ظلّ القوس هو القوس، و الحِنْيَة هي الحِنْيَة، و الزّخارف هي الزّخارف نباتيّة كانت أو هندسيّة، و الأساطين هي الأساطين، و التّيجان هي التيجان، وشمل التّطوّر الموادَّ و طريقة الإنجاز و تقنياته المتعدّدة . و إذا سلّمنا بقدرة الحاضر على تشكيل مصطلحاته الفنّيّة في مجال العمارة الحديثة، فإنّ هذا الحاضر، عربيّا و إسلاميّا، يقف عاجزا أمام إعادة تشكيل المفردات الاصطلاحيّة الفنيّة الإسلاميّة في العمارة القديمة أو تنسيقها و ترتيبها في نظام قادر على التّوليف بين المصدر البصريّ المفتوح (و) القابل للزّيادات و التّصويبات - طالما أنّنا نكتشف بالأمس كما اليوم موادّ جديدة قابلة للاندراج فيه لتعزيز معرفتنا به و هو ما ينطبق على المكتشفات الأثريّة لاسيّما العمائر – و بين المصدر النّظريّ المتّسم نسبيّا بتماميّة تدفعه إلى مزاحمة الواقع الاصطلاحيّ الفنيّ المعماريّ، فهل يجوز لنا حينئذ ردّ المصطلح الغائب على نظيره الحاضر الشّاهد؟ .__________________________قائمة المصادر المراجعأ- المصادر و المراجع العربيّة- الإتليدي محمّد دياب(ت 1100هـ): إعلام الناس بما وقع للبرامكة، دار الآفاق العربية ، القاهرة ، 1998 .- الباخرزي علي بن الحسن بن علي بن الفضل البغدادي، أبو منصور (ت 465هـ):دمية القصر وعصرة أهل العصر ، تحقيق راغب الطباخ ، حلب 1930 .- البوزْجانيّ أبو الوفاء المهندس(ت388 هـ) : ما يحتاج إليه الصّانع من علم الهندسة ، تحقيق، أحمد صالح العليّ ، مطبعة جامعة بغداد ، بغداد 1979 .- الحلواني محمد علي , التّريكي فتحي :مقاربات حول تاريخ العلوم العربيّة ،منشورات كليّة الآداب و العلوم الإنسانيّة بصفاقس ، و دار البيرونيّ للنّشر ،صفاقس،تونس 1996 . - حيدر كامل (العمارة العربية الإسلامية) , الخصائص التخطيطية للمقرنصات , دار الفكر اللبناني ط 1, بيروت , لبنان 1994 .- ابن جبير أبو الحسين محمّد بن أحمد الأندلسيّ (ت 614 هـ):رحلة ابن جبير ، مراجعة (دي خويه :De Joeje) ، الجزء 5 ،من مجموعة جب التّذكارية ،هولندا 1907 .- داغر شربل : الفنّ الإسلامي في المصادر العربيّة(صناعة الزينة و الجمال) ، دار الآثار الإسلاميّة الكويت ، المركز الثّقافي العربي للنشر و التّوزيع ، الدّار البيضاء - بيروت 1999.- الدّريسيّ فرحات :منزلة التّفكير بالمنوالين الرّياضيّ و الطّبيعيّ في إنتاج المعرفة في البيئة الثّقافيّة العربيّة الإسلاميّة ،ضمن كتاب المناويل ، منشورات دار المعلّمين العليا، ودار سحر للنّشر ، تونس 2009 .- الدّمشقي أبو الفداء إسماعيل بن كثير (ت 774 هـ):البداية و النهاية، تحقيق علي شيري ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت 1988 .- الذّهبيّ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان (ت748 هـ) :سير أعلام النبلاء , تحقيق شعيب الأرنؤوط و حسين الأسد ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، لبنان 1993 .- سعيد توفيق : تهافت علم الجمال الإسلاميّ , دار قباء للطّباعة و النّشر و التّوزيع ، القاهرة ، دت .- السّيد عبد العزيز سالم :بعض المصطلحات للعمارة الأندلسيّة المغربيّة ، صحيفة معهد الدّراسات الإسلاميّة في مدريد ، مج 5 ، , العددان 1-2.مدريد 1957.- الصّفدي :تصحيح التصحيف و تحرير التحريف , منشورات معهد تاريخ العلوم العربية و الإسلامية , جامعة فرانكفورت , ألمانيا , سلسلة عيون التراث , مج 22 ,1985 .- الصنهاجي أبو بكر المعروف بالبيدق (ق 8هـ):أخبار المهدي بن تومرت , تحقيق ليفي بروفنسال , باريس 1928 .- الطبري أبو جعفر محمد بن جرير(310هـ):تاريخ الأمم و الملوك), طبعة بريل , ليدن , هولندا 1879 .- ابن عبّاد:المحيط في اللّغة , تحقيق محمد حسن آل يس , بيروت 1994.- ابن عبد ربّه أحمد(ت328هـ): العقد الفريد،تحقيق مفيد محمّد قميحة ،دار الكتب العلميّة،ط 1 ، بيروت لبنان1983 .- ابن عساكر أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله(ت 571هـ) : تاريخ مدينة دمشق وذكر فضلها وتسمية من حلها من الأماثل أو اجتاز بنواحيها من وارديها وأهلها), تحقيق علي شيري , دار الفكر للطباعة و النشر، ط 1, بيروت 1998 . - العقبي محمّد الطّاهر:1- ثنائيّة الطّبيعيّ و الصّناعيّ في الفكر العلميّ العربيّ الإسلاميّ الكلاسيكيّ (بحث في مدوّنتي :أبي الوفاء البوزْجانيّ "ما يحتاج إليه الصّانع من علم الهندسة"،و أبي الرّيحان البيرونيّ"الجماهر في معرفة الجواهر". مخطوطة رسالة ماجستير ، كلّيّة العلوم الإنسانيّة و الاجتماعيّة ، جامعة تونس ، تونس 2008. 2- نماذج من المصطلحات الحرفية و الفنية و الصناعية,ضمن مداخلات النّدوة العلميّة الدّوليّة :المصطلح و التّرجمة، دار المعلّمين العليا بتونس 24-25 أكتوبر 2008 .- ابن غالب:فرحة الأنفس , منشورات مجلة معهد المخطوطات العربية ،نوفمبر 1955.- القاضي عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن اليحصبي السبتي (ت544هـ):ترتيب المدارك و تقريب المسالك , تحقيق ابن تاويت الطنجي , المغرب 1970 .- القلقشنديّ أحمد بن علي بن أحمد الفزاري القاهريّ(ت821هـ):(صبح الأعشى في صناعة الإنشا, تحقيق يوسف علي طويل , دار الفكر , دمشق 1987 .- اللّخميّ أبو عبد اللّه محمّد بن إبراهيم الشّهير بابن الرّامي البنّاء (ت 734 هـ):الإعلان بأحكام البنيان، تحقيق فريد بن سليمان, مركز النشر الجامعي ،تونس 1999. - المقري أحمد بن محمد بن احمد بن يحيى بن عبد الرحمن ابن أبي العيش بن محمد التلمساني (ت 1041هـ): نفح الطّيب من غصن الأندلس الرّطيب ، تحقيق إحسان عبّاس ، دار صادر ، بيروت 1968 . - المقريزي تقي الدين أحمد بن علي (ت 845 هـ):المواعظ و الاعتبار في ذكر الخطط و الآثار ، طبعة القاهرة 1853 .- الميداني عبد الرحمن حسن حنبكة: ضوابط المعرفة و أصول المناظرة ، دار القلم ، ط 1 ،دمشق 1993.ب- المراجع الأجنبيّة
- Ibn HAYYANَ :Chronique du règne du Calife Abdallah a Cordoue , pub.par P. Antuna, t III, Paris 1937 .- HOLOD Renata: Text, Plan, and Building on the Transmission of Architecture Knowledge , ed. Margret Sevcenko , Cambridge , Massachusetts 1988 .- KHATIBI Abd Alkabir, SIJLIMESSI Ahmed : La calligraphie Islamique ,Edi, Gallimard ,Paris.1994.- LAMARE Dessus : La mosquée de Cordoue d’après al - Idrisi, Alger 1949.- PETER J . Lu /PAUL J .Steinhardt : In medieval architecture sings of advanced math .The Science magazine ,USA. Feb 2007.- SAUVAGET Jean :La mosquée de Médine ,Vanoest 1947.- USDURAL Alpay: Omar Khayyam ,Mathematicians ,and Convrsazioni with Artisans: The journal of the society of architectural Historians .vl.54.No.1, Mars 1995.
شكراً أستاذ وليد علي