المئذنة .. فن إسلامي خالص
|
جاد الله فرحات |
جاد الله فرحات
|
مأذنة جامع السيدة زينب بالقاهرة |
تنوعت الفنون والعمارة الإسلامية تنوعًا كثيرًا، ولعل أهم الفنون المعمارية هي المساجد بما تحويه من مآذن وأروقة ومحاريب وصحون .. إلخ. وتعتبر المئذنة من الفنون الإسلامية الأصيلة التي تنوعت تنوعًا شديدًا، وقد تفنن الفنان والمهندس المسلم في فن المآذن حتى ظهرت آلاف بل عشرات الألوف من المآذن، وكلها تدل على أن هذا الفن فن إسلامي خالص ليس مقتبسًا ولا منقولًا من حضارات سابقة.
فإذا كنت في أي مكان من العالم الإسلامي فلا بد أن تظهر أمامك إحدى المآذن الإسلامية. فالمئذنة علامة على وجود المسجد، والمسجد هو مركز الخلية الإسلامية أو المجاورة السكنية الإسلامية.
المئذنة فن إسلامي خالص:
والمئذنة فن إسلامي خالص، وهناك بعض المستشرقين والباحثين -سواء عن جهل أو قصد- يحاولون دائمًا إلحاق العمارة والفنون الإسلامية بأصول غير إسلامية، فنرى الأستاذ كريسول وهو من هو في العمارة الإسلامية، إذ هو صاحب فكرة إنشاء كلية للآثار في مصر وكان أستاذًا للعمارة الإسلامية في الجامعة المصرية وهو الذي ناقش رسالة الدكتوراة لأستاذنا الدكتور كمال الدين سامح عام 1947م، ينسب المئذنة في إصرار إلى أحد أصلين: أبراج المعابد الرومانية أو كنائس سورية والأردن.
وهذا الكلام مع جزيل إحترامنا للعالم الجليل ولمن سار على نهجه من أساتذة العمارة مرفوض جملة وتفصيلًا للأدلة التالية:
1- نقول إن الحاجة أم الأختراع والابتكار، والوظيفة تملي إرداتها وتفرض نفسها، فإن أصل المئذنة مأخوذ من الأذان وهو الإعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة يحصل به الدعاء إلى الجماعة وإظهار شعائر الإسلام، وهو واجب أو مندوب، قال القرطبي وغيره: الأذان -على قلة ألفاظه- مشتمل على مسائل العقيدة، لأنه بدأ بالأكبرية، وهي تتضمن وجود الله وكماله، ثم ثنى بالتوحيد ونفي الشريك، ثم بإثبات الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم، ثم دعا إلى الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة، لأنها لا تعرف إلا من جهة الرسول، ثم دعا إلى الفلاح، وهو البقاء الدائم، وفيه الإشارة إلى المعاد، ثم أعاد ما أعاد توكيدًا.
وأهم الحِكَم التي تتجلى في الأذان تتلخص فيما يلي:
1- الإعلام بدخول وقت الصلاة، وهو المقصود الأعظم من الأذان.
2- نشر لذكر الله تعالى وإعلان بالتوحيد وتعظيم الله.
3- إظهار شعار الإسلام في كل بلدة أو مصر.
4- نداء لحضور الجماعة ومكان الصلاة.
5- هو العلامة الدالة المفرقة بين دار الإسلام ودار الكفر، فقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا غزا، فإن سمع أذانًا أمسك وإلا أغار.
6- اشتماله على فوائد جليلة أخرى تطرد الشيطان، واستجابة الدعاء عنده وغيرها.
وهذا معناه أن الأذان لابد أن يكون من مكان مرتفع يراه الجميع وأن يكون وسط المجاورة السكنية ، وقد ورد ذكر المنارة في صحيح مسلم في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفعه حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا ..، إلى أن قال: ثم يدعو رجلًا ممتلئًا شبابًا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك، فبينما هو كذلك إذ بعث الله تعالى المسيح ابن مريم عليه السلام فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين، واضعا كفيه على أجنحة ملكية". فقد ورد ذكر المنارة وهي المئذنة والصومعة، وكلها ألفاظ مترادفة للمكان الذي يؤذن منه.
وقصة الأذان معروفة في كتب الحديث والسير، فمن ذلك ما رواه الإمام البخاري ومسلم: "كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلوات وليس ينادي بها أحد فتكلموا يومًا في ذلك فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: قرنا مثل قرن اليهود، فقال عمر بن الخطاب، لولا تبعثون رجلًا ينادي بالصلاة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال قم فناد بالصلاة".
وقد أخرج أبو داود بسند صحيح "اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمع الناس، فقيل انصب راية عند حضور وقت الصلاة فإذا رأوها آذن بعضهم بعضا فلم يعجبه الحديث". وذكروا البوق وذكروا الناقوس، فانصرف عبد الله بن زيد رضي الله عنه وهو مهتم فأري الآذان، فغدا على رسول الله وكان عمر قد رآه من قبل ذلك فكتمه عشرين يومًا ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما منعك أن تخبرنا قال سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت، فقال صلى الله عليه وسلم: "يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فأفعله"، واستحب العلماء أن يكون الآذان في مكان مرتفع وبصوت عال وبتؤدة وتمهل (فتح الباري 2/66).
وذكر السمهودي في كتابه وفاء الوفا: أن بلال بن رباح الحبشي رضي الله عنه كان يصعد على أسطوان في دار عبد الله بن عمر في قبلة مسجد المدينة، ويؤذن وهو واقف فوقها، وقيل إنه كان يرقى على أقتاب في بيت حفصة بنت عمررضي الله عنهما وزوج الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم تطورت فكرة ذلك المكان المرتفع وصارت بشكل صومعة يصعد المؤذن إلى شرفتها من سلم يدور في جوفها، وكان عمر بن عبد العزيز عامل الوليد بن عبد الملك أول من أدخل بناء المئذنة في جامع المدينة.
وإن من أقدم المآذن في شمال إفريقية صومعة جامع القيروان في تونس، وقد بنى هذا الجامع عقبة بن نافع سنة 50 هـ / 670 م ثم أقام هشام بن عبد الملك مكان مئذنتها القديمة المئذنة الحالية في سنة 105هـ، فأصبحت هذه المئذنة نموذجًا لمآذن مساجد المغرب العربي والأندلس، أما في العراق وبلاد فارس فقد أخذت المآذن شكلًا أسطوانيًا وأحيانا ملويًا كما في سامراء، ثم صار للمآذن أشكال متنوعة في الهند وما وراء النهر، كما ظهرت مآذن بأشكال مختلفة في جوامع القاهرة تتدرج من قاعدة مربعة يعلوها قسم مثمن ثم تنتهي برأس أو رأسين أحيانا عليهما مبخرة. وقد بلغت المآذن من النحافة والجمال أقصى ما يمكن في المآذن التركية في أسطنبول وغيرها من المدن.
2- والقول بأن أصل المئذنة أبراج المعابد أو الكنائس مردود عليه بأن المئذنة ينبغي أن يكون لها سلم يصعد عليه المؤذن وشرفة يرفع منها الأذان وهذا شرط في جميع المآذن وليس ذلك بلازم في برج الأجراس بل يكفي دق الأجراس عن طريق حبل أو سلسلة، ولا يلزم صعود أحد إلى ذروتها أو الإطلال من شرفتها فكل منارة تصلح لأن تكون برجًا للأجراس وليس كل برج يصلح لأن يكون مئذنة، فحينما استولى الأسبان على مئذنة جامع إشبيلية قاموا بتحويلها الى برج أجراس، ولكن حينما استولى المسلمون على آياصوفيا في إسطنبول بتركيا كان لابد من عمل أربع مآذن لأنه لا يوجد شيء في الكنيسة يصلح كمئذنة. فالمئذنة كانت لحاجة وظيفية، وهي الإعلام بوقت الصلاة وتقتضي مكانًا مرتفعًا.
3- كذلك فإن للمئذنة وظيفة أخرى، وهي التأكد من دخول وقت الفجر الصادق بالنسبة لأذان الفجر، فإن هناك فجرين فجر كاذب وفجر صادق فكان على المؤذن أن يصعد إلى مكان مرتفع ليتمكن من رؤية الفجر الصادق حتى يؤذن للناس وليمسك الناس عن الطعام والشراب خاصة في شهر رمضان.
4- ما أسفرت عنه الحفريات في دومة الجندل، من وجود مئذنة ذات طوابق أربعة بمسجد عمر بن الخطاب.
مئذنة مسجد عمر بالجوف:
يقع جنوب شرق البلدة القديمة، وتحيط به المنازل من الجهة الشمالية والغربية، بينما تقع قلعة مارد على بعد 150 م من جهته الجنوبية. والمئذنة ذات تصميم فريد، وتقع في الركن الجنوبي الغربي للمسجد، وتبرز من جدار القبلة، وهي عبارة عن كتلة معمارية مقامة على دعامتين مستطيلتي القطاع، ويعلوها كابولى يتكون من قطع حجرية ضخمة ويحمل ثماني قطع حجرية ضخمة أيضا كأعتاب. وصعود المئذنة يتم بواسطة درج خارجي مقام على قطع خشبية ضخمة، يصل بالداخل إليها باب قليل الارتفاع في ضلعها الشمالي الشرقي. ويبدأ بعده السلم الداخلي للمئذنة الذي قوامه قلبات متعامدة مقامة على قطع من جذور النخيل الضخمة. ويمكن تمييز ستة مستويات للمئذنة من الخارج. ويوجد بكل من المستوى الثاني والثالث والرابع والخامس أربع فتحات مستطيلة الشكل يعلو كلا منها حجران موزعة على أضلاع المئذنة الأربعة للإضاءة والتهوية، ولوصول صوت المؤذن للصلاة إلى الناس.
والواقع أن بساطة التصميم العام للمسجد تذكرنا بطابع البساطة الذي ساد معظم المساجد الإسلامية الأولى بالبصرةوالكوفة. كما أن السلم الخارجي للمئذنة، يذكرنا بملوية سامراء بالعراق وبمئذنة مسجد أحمد بن طولون بالقاهرة.
ونحن هنا نستعرض لأجمل المآذن الإسلامية عبر العصور والأمكنة، لنثبت أنه فن إسلامي خالص ونقول لمن يدَّعون أنها مشتقة من طراز أبراج الكنائس: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين؟
5- هذا التنوع الشديد في المآذن من مآذن طينية إلى مآذن مغطاة بالذهب الخالص، وفي كل الحالات فإنها لا تخرج عن كونها فنًا إسلاميًا خالصًا.
ومن أشهر المآذن في التاريخ:
1- مآذن الحرمين الشريفين.
2- مآذن القاهرة.
3- مآذن الشام.
4- مآذن العراق.
5- مآذن المغرب.
6- مآذن الهند.
7- مآذن سمرقند وبخارى وطشقند.
8- مآذن حضرموت واليمن.
9- مآذن إفريقيا (المآذن الطينية).
10- مآذن أوروبا.
11- مآذن دول الخليج.
12- المآذن الحديثة.
المقال مصدره موقع قصة الإسلام .